في ضواحي العاصمة، كانت الأراضي الزراعية القديمة تتحول تدريجيًا إلى أحياءٍ سكنيةٍ غير منظمة. بدأ بعض الناس يبنون منازل دون تصاميم هندسية أو تراخيص رسمية، تحت ضغط الحاجة أو الطموح إلى التملك السريع. وفي قلب هذه الظاهرة، برزت قصة الحاج سيدي، رجلٍ في الخمسين من عمره، قرر أن يبني منزلًا كبيرًا لأسرته الممتدة، يُحقق به حلم حياته.
لم يكن سيدي رجلًا ثريًا، لكنه كان مفعمًا بالطموح. اشترى قطعة أرضٍ غير مرخصة بثمنٍ زهيد في منطقةٍ طرفية، ثم استعان بمعلم بناء محلي دون مهندس، وبدأ المشروع بخطواتٍ مرتجلة. ومع ارتفاع الأسعار ونفاد مدخراته، لجأ إلى وسيلةٍ محفوفةٍ بالمخاطر: إصدار شيكاتٍ مؤجلةٍ للموردين والعمال، على أمل أن يكتمل البناء بسرعة ويبيع جزءًا منه لتغطية الالتزامات.
في البداية، كان كل شيء يسير كما يشتهي: الجدران ترتفع بسرعة، العمال يعملون ليلًا ونهارًا، والأحلام تكبر مع كل طوبة. لكن سرعان ما ظهرت المشكلات: مواد رديئة، أعمدة غير مطابقة للمواصفات، تسرب مياه، وانهيار جزءٍ من السور في ليلة مطيرة. ومع تأخر السداد، بدأ الموردون يودعون الشيكات في البنوك، لتنكشف الحقيقة: لا رصيد يغطيها.
تحولت القضية من حلم بناءٍ إلى سلسلة شكاوى قضائية. أُحيل سيدي إلى التحقيق بسبب إصدار شيكاتٍ بدون رصيد، وهي جريمة يعاقب عليها القانون بصرامة. كانت العائلة تعيش صدمة؛ المنزل غير مكتمل، والديون تحاصرهم، والاحترام الذي كان يحيط بالحاج بدأ يتلاشى في الحي. والأدهى أن البلدية قررت لاحقًا إزالة عددٍ من المباني المخالفة في المنطقة، وكان منزله ضمن القائمة.
في هذه الأثناء، أطلقت الحكومة خطةً جديدة لتنظيم البناء في الأطراف، تتضمن تسهيلات مالية للمشاريع الملتزمة بالمعايير، ومراقبة صارمة للبناء العشوائي. كما أطلقت البنوك الإسلامية برنامجًا خاصًا للتمويل التشاركي (الاستصناع) يتيح للأسر بناء منازل تدريجيًا بطريقة قانونية وآمنة.
زار موظف من هذا البرنامج أسرة سيدي وعرض عليهم خطة إعادة هيكلة: تسوية الديون عبر اتفاقٍ مع الموردين، ترخيص البناء بأثرٍ رجعي بعد التعديلات الهندسية المطلوبة، وتمويل استكمال المشروع ضمن برنامج رسمي. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه أعاد للأسرة الأمل. وبعد سنتين من العمل المنظم، تحوّل المنزل من هيكلٍ مهددٍ بالهدم إلى سكنٍ متينٍ يحمل رخصة رسمية، وأصبح سيدي نفسه من أشد الداعمين لفكرة «البناء المنظم يحمي الحالمين».
وفي لقاءٍ إذاعي بعد انتهاء قصته، قال الحاج سيدي بصوتٍ متهدّج:
«الشيك بلا رصيد ليس مجرد ورقة… إنه حلمٌ بلا أساس.»
وهكذا، تحوّل درسه الشخصي إلى عبرةٍ عامة في بلادي، لتذكير الناس بأن العجلة في البناء قد ترفع الجدران بسرعة، لكنها قد تهدم القلوب بسرعةٍ أكبر.
العافية امونكه