
في خضم الانشغال اليومي بالعمل، والتفكير في اللياقة البدنية أو صحة القلب، يغفل الكثيرون عن العضو الأهم في منظومة الجسد البشري: الدماغ. هذا العضو الصغير، الذي لا يتجاوز وزنه كيلوغرامًا ونصفًا، يقود بدقة مذهلة جميع وظائف الجسم — من التفكير والذاكرة، إلى الحركة والمشاعر — دون توقف، حتى أثناء النوم.
ويصف الطبيب النفسي الأميركي الشهير دانيال أمين الدماغ بأنه “مصدر القوة الحقيقية للإنسان”، مؤكدًا أن أداءه السليم يحدد نوعية الحياة التي نحياها، ومدى قدرتنا على التركيز والإبداع والاتزان النفسي.
أما فريق خبراء مايو كلينك فيوضح أن أي اضطراب في عمل الدماغ ينعكس فورًا على الجسد كله: “فقد يتباطأ التفكير، وتختل الحركة، أو يتوقف الإحساس في أجزاء معينة من الجسم.”
من هنا، يؤكد العلماء أن العناية بالدماغ ضرورة وليست ترفًا، وأن الوقت لم يفت بعد لحمايته من التدهور أو التلف.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن نحو 45% من حالات الخرف والتدهور المعرفي يمكن تجنبها عبر تعديلات بسيطة في أسلوب الحياة اليومي.
وفيما يلي سبع توصيات أساسية يقدمها الخبراء للحفاظ على صحة الدماغ ونشاطه لأطول فترة ممكنة:
- احمِ رأسك دائمًا
تشدد أستاذة علم الأعصاب في جامعة ميشيغان، إيفا فيلدمان، على أن حماية الرأس هي الخطوة الأولى نحو حماية الدماغ، إذ يمكن أن تؤدي الإصابات المتكررة إلى “اعتلال دماغي مزمن” قد يتطور إلى الخرف.
وتنصح بارتداء الخوذة الواقية أثناء ممارسة الأنشطة التي تنطوي على مخاطر السقوط أو الاصطدام، مثل ركوب الدراجات أو التزلج، والحرص على ربط حزام الأمان في السيارة.
كما توصي بتجنب الحوادث المنزلية عبر إزالة العوائق من الممرات، وتثبيت السجاد، وضمان إضاءة جيدة في السلالم والممرات.
- استخدم سدادات الأذن عند التعرض للضوضاء
تحذر دراسات طبية من أن ضعف السمع قد يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالخرف، لأن مراكز السمع والذاكرة متجاورة في الدماغ.
وتوصي طبيبة الأعصاب إليزابيث بيفينز باستخدام سدادات الأذن الواقية عند التعرض للأصوات المرتفعة، وإجراء فحص سمع دوري كل عامين بعد سن الخمسين.
- افحص عينيك بانتظام
لا تقتصر العلاقة بين الدماغ والحواس على السمع فحسب، بل تشمل البصر أيضًا.
فقد كشفت دراسة عام 2023 أن ثلث كبار السن الذين يعانون من ضعف بصري متوسط إلى شديد، مصابون بدرجات مختلفة من الخرف.
وينصح الأطباء بإجراء فحوصات للعين كل بضع سنوات، وارتداء النظارات أو الخضوع لجراحة تصحيحية إذا لزم الأمر.
- تحرك أكثر واجلس أقل
يؤكد علماء الأعصاب أن مجرد المشي لمسافة قصيرة يوميًا يزيد تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ.
ويشير الباحثان سايروس راجي وكيفن بيكارت إلى أن الوقوف أو الحركة كل 20 دقيقة، يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في النشاط الدماغي.
ويُفضل استخدام مقاعد غير وثيرة تحفّز الجسم على الحركة بدلًا من الجلوس الطويل في الكراسي المريحة بالكامل.
- تحكم في مستوى الكوليسترول
يؤكد أستاذ علم الأعصاب في جامعة إلينوي، فرناندو تيستاي، أن الكوليسترول الضار يؤدي إلى تصلب الشرايين، ما يقلل تدفق الدم إلى الدماغ، ويرفع خطر السكتات الدماغية.
وللوقاية، يُنصح بتقليل اللحوم الحمراء والدهون المشبعة، وتناول البقوليات والفواكه والحبوب الكاملة، وممارسة الرياضة بانتظام، مع فحص الكوليسترول دوريًا.
- نظّف أسنانك بالخيط يوميًا
تؤكد الدكتورة شلي سونغ، أخصائية الأعصاب في لوس أنجلوس، أن صحة الفم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة الدماغ، لأن العدوى الناتجة عن أمراض اللثة قد تمتد إلى الجيوب الأنفية وتؤثر على تصريف السوائل الدماغية.
وأشارت دراسة نُشرت عام 2020 إلى علاقة واضحة بين التهابات اللثة والخرف.
لذا، فإن تنظيف الأسنان بالخيط والفرشاة يوميًا، وزيارة طبيب الأسنان مرة سنويًا، خطوة ضرورية لحماية الدماغ.
- انتبه إلى رقبتك
الرقبة هي الممر الرئيسي الذي يمد الدماغ بالأوكسجين، وأي إصابة فيها — سواء من حادث سيارة أو وضعية نوم خاطئة — قد تعيق تدفق الدم إلى الرأس.
وتحذر الدكتورة سونغ من الالتواءات أو التدليك العميق للرقبة، وتوصي بالتركيز بدلًا من ذلك على عضلات الكتفين وأعلى الظهر، وعدم التردد في استشارة الطبيب عند الشعور بأي ألم أو دوار مفاجئ.
في النهاية، يتفق الأطباء على أن الدماغ لا يشيخ فجأة، بل يتأثر تدريجيًا بأسلوب الحياة الذي نمارسه يوميًا.
ولأن فقدان قدراته لا يمكن تعويضه بسهولة، فإن الوقاية المبكرة هي الاستثمار الأذكى في صحتنا العقلية والجسدية على المدى الطويل.