
في خطوة نوعية لدعم الأمن الصحي الحيواني، وقّعت الحكومة الموريتانية ممثلة في وزارة التنمية الحيوانية اتفاقًا فنيًا مع المركز الدولي للتنمية الزراعية (CIRAO)، يهدف إلى تعزيز آليات مراقبة وتشخيص مرض المثقبيات المعروف محليًا بـ”تابوريت”، والذي يُعد من أكثر الأمراض الطفيلية تأثيرًا على الإبل والأبقار في البلاد.
ويأتي هذا الاتفاق ضمن استراتيجية وطنية أوسع تهدف إلى رفع جاهزية القطاع البيطري، وتحسين القدرة على مواجهة الأمراض الحيوانية العابرة للحدود، خاصة تلك التي تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والدخل الريفي.
◾ ما هو مرض المثقبيات؟
مرض المثقبيات (Trypanosomiasis)، أو كما يُعرف في الأوساط الرعوية بـ”تابوريت”، هو مرض طفيلي مزمن ينتقل عبر لدغات بعض أنواع الذباب (خصوصًا ذبابة تسي تسي)، ويستقر في الدورة الدموية للحيوان المصاب، حيث يتسبب في أعراض خطيرة تشمل:
الهزال وفقدان الوزن
فقر الدم
الحمى المزمنة
تدهور الحالة الإنتاجية والإنجابية
وفي غياب التشخيص المبكر والعلاج المناسب، يمكن أن يؤدي المرض إلى نفوق الحيوان أو تراجع كفاءته الاقتصادية، ما يُفاقم من هشاشة القطاع الحيواني.
◾ بنود الاتفاق: تعاون علمي وتقني طويل المدى
وبحسب بيان وزارة التنمية الحيوانية، فإن الاتفاق مع مركز CIRAO يتضمن المحاور التالية:
🔹 تعزيز البحوث العلمية في مجال الطفيليات الحيوانية، مع التركيز على أدوات التشخيص المبكر لمرض “تابوريت”.
🔹 بناء قدرات الكوادر الوطنية عبر برامج تدريبية في الخارج وورشات علمية تطبيقية، تشمل مجالات مراقبة الأوبئة وتقنيات الكشف الحديثة.
🔹 ربط موريتانيا بشبكة بحث دولية متخصصة في الأمراض الحيوانية، لتبادل التجارب والبيانات والابتكارات في مجال الصحة الحيوانية.
🔹 دعم المختبرات البيطرية المحلية من خلال توفير أدوات وتقنيات متقدمة للتشخيص والتحليل المخبري.
◾ أهمية الاتفاق لموريتانيا
تمثل الثروة الحيوانية في موريتانيا أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، حيث تسهم بما يقارب 15-20% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر مصدر دخل لمئات الآلاف من الأسر، خاصة في الوسط الريفي وشبه البدوي.
وتعاني البلاد، كما هو الحال في عدد من دول الساحل، من تفشي أمراض حيوانية تؤثر على جودة الإنتاج ونمو القطيع. ويُعد مرض المثقبيات من أكثرها تعقيدًا من حيث التشخيص والسيطرة، نتيجة لطبيعته المزمنة وانتشاره الواسع في المناطق الرعوية.
ويرى الخبراء أن الاتفاق مع مركز CIRAO يشكل خطوة بالغة الأهمية نحو مقاربة علمية مدروسة ومستدامة لمراقبة المرض واحتوائه، مما سينعكس إيجابًا على:
صحة الحيوان وجودة اللحوم والألبان
الاستقرار الاقتصادي للمربين
أمن الغذاء الوطني
الحد من الخسائر في القطاعات المرتبطة كالنقل والتجارة
◾ نظرة مستقبلية
من المنتظر أن تبدأ أولى مراحل تنفيذ الاتفاق خلال الأسابيع المقبلة، عبر إرسال فرق عمل ميدانية لتقييم مستوى انتشار المرض، وتحديد بؤره الرئيسية، إلى جانب إعداد برامج تكوين فني للبيطريين على المستوى الجهوي.
وتطمح موريتانيا من خلال هذا التعاون إلى تأسيس نموذج وطني لمراقبة الأمراض الحيوانية قائم على البحث والابتكار والتعاون الدولي، بما يعزز مكانة البلد في الشبكات الإقليمية المختصة، ويفتح آفاقًا جديدة للشراكة في مجالات الصحة الحيوانية والتنمية الزراعية المستدامة.