في مدينة «بلادي»، انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة: حفلات أعياد الميلاد التي تتحول إلى مهرجانات مصغّرة. بدأ الأمر عفويًا، باحتفالٍ عائليٍ بسيطٍ في البيوت، لكن مع ظهور الشركات المنظمة للمناسبات، تحوّل هذا التقليد إلى سباقٍ محمومٍ في التكلّف والترف، خصوصًا في الطبقة المتوسطة الصاعدة التي أرادت أن «تُثبت وجودها» عبر مظاهر الاحتفال.
في أحد أحياء الطبقة الراقية، أقامت أسرةٌ معروفة حفلة ميلادٍ لابنها ذي السبع سنوات، استُؤجرت فيها قاعة فخمة، وديكورات مستوردة، ومؤثرات ضوئية وموسيقية، وكأنها عرسٌ ضخم. حضر الحفل العشرات من الأسر، وكلٌّ حاول أن يُظهر أن ابنه «لا يقلّ عن الآخرين». انتشرت صور الحفل على وسائل التواصل، وأصبحت حديث الناس، فاشتعلت نار التقليد في الأحياء الأخرى.
تأثرت فئاتٌ كثيرة بهذا النموذج، فأصبح الآباء والأمهات يتنافسون على من ينظم حفلةً أكبر وأغلى، دون النظر إلى إمكانياتهم الحقيقية. لم تعد المناسبة تخص الطفل بقدر ما تخص السمعة الاجتماعية. شركات التنظيم بدورها رأت في ذلك فرصة ذهبية، لكنها لجأت إلى ممارساتٍ غير قانونية لتقليل تكاليفها وزيادة أرباحها؛ فتهرّب كثير منها من دفع الضرائب، أو استوردت المعدات بطرقٍ غير رسمية، أو تعاملت نقدًا بعيدًا عن النظام المالي.
أطلقت وزارة المالية حملة تفتيشٍ على هذه الشركات، فظهر حجم التهرب الضريبي الهائل المرتبط بحفلاتٍ «بريئة» في ظاهرها. كما بدأت منظمات المجتمع المدني حملة توعيةٍ عنوانها: «الفرح لا يُقاس بالفواتير»، تدعو إلى العودة إلى روح الاحتفال البسيط.
في أحد هذه الحملات، برزت قصة أسرةٍ متوسطة قررت أن تحتفل بميلاد ابنتها في المدرسة، بطريقة تربوية بسيطة: زينة من صنع الأطفال، ألعاب جماعية، حلوى محلية، وضحكات صافية. انتشرت صور الحفل على وسائل التواصل، لا لبذخها، بل لبساطتها العذبة. ألهمت قصتهم أسرًا أخرى لتقليدهم، فبدأت موجة صغيرة من «الاحتفال العاقل» تنتشر.
أطلقت الحكومة بالتعاون مع البلديات قرارًا يُلزم شركات تنظيم المناسبات بالتصريح الضريبي والشفافية المالية، كما شجّعت المدارس والمراكز الثقافية على استضافة حفلات الميلاد بأسعار رمزية وتشجيع الأنشطة التربوية بدل المظاهر الباذخة.
هكذا، بدأ المجتمع يدرك أن الاحتفال لا يفقد معناه عندما يصبح بسيطًا، بل عندما يتحول إلى استعراضٍ أجوف. وعادت حفلات الميلاد شيئًا فشيئًا إلى جوهرها: مناسبة فرحٍ عائلية، لا ساحة منافسةٍ بين الأسر.
العافية امونكه