تقوم بعثة حكومية موريتانية حاليًا بزيارة رسمية إلى دار الكتب والوثائق القومية في جمهورية مصر العربية، في إطار الجهود المشتركة لاستعادة مكتبة العلامة محمد محمود ولد التلاميد الشنقيطي، أحد أبرز علماء موريتانيا في القرن التاسع عشر، وأحد رموز النهضة اللغوية العربية.
وتأتي هذه الزيارة تنفيذًا لبروتوكول التعاون الثقافي الموقع بين موريتانيا ومصر في 27 مايو 2025، على هامش اجتماعات اللجنة المشتركة للتعاون بين البلدين، والذي نص على وضع آلية فنية لحفظ المكتبة ورقمنتها، بما يضمن صونها وإتاحتها للأجيال القادمة.
🟣 لقاءات فنية لمناقشة آليات الرقمنة والنقل
وخلال الزيارة، عقد أعضاء البعثة سلسلة اجتماعات مع مسؤولي وخبراء دار الكتب والوثائق القومية المصرية، تم خلالها بحث الترتيبات التقنية الخاصة بعملية الرقمنة والفهرسة والنقل الآمن للمخطوطات.
كما قام الوفد الموريتاني بمعاينة عدد من المخطوطات الأصلية التي تعود إلى العلامة ابن التلاميد، واطلع على أساليب حفظها وصيانتها داخل الدار، إضافة إلى زيارة عدد من المواقع التراثية المصرية، من بينها المكتبة التيمورية التي تضم مجموعات نادرة من المخطوطات العربية القديمة.
🟡 بدء الرقمنة في نوفمبر 2025
وأسفرت اللقاءات عن اتفاق رسمي على بدء عملية رقمنة مكتبة العلامة ابن التلاميد اعتبارًا من فاتح نوفمبر 2025، على أن تستمر العملية لمدة ستة أشهر باستخدام تقنيات عالية الجودة، قبل تسليم النسخ الرقمية إلى الجهات الموريتانية المختصة تمهيدًا لإتمام عملية الاستعادة.
وأوضح الجانبان أن المشروع يهدف إلى صون هذا التراث الفكري النادر وضمان استدامته، مؤكدين أن التعاون الثقافي بين موريتانيا ومصر يُشكل نموذجًا في حفظ الذاكرة العربية المشتركة.
🔵 تركيبة البعثة الموريتانية
تضم البعثة شخصيات ثقافية وأكاديمية رفيعة، هي:
حد معلوم ولد باب، مدير التعاون والعلاقات الخارجية بوزارة الثقافة والفنون والعلاقات مع البرلمان.
الدكتور محمد المختار ولد محمد الهادي، المندوب العام للوثائق الوطنية.
الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله، المدير العام للمعهد التربوي الوطني.
الدكتور المختار الجيلاني، المستشار الثقافي بسفارة موريتانيا في القاهرة.
🟠 كنز علمي ثمين في طريق العودة
تُعد مكتبة العلامة محمد محمود ولد التلاميد الشنقيطي من أثمن الكنوز العلمية الموريتانية المهاجرة، إذ تضم مئات المخطوطات النادرة في علوم اللغة والفقه والتاريخ والأنساب، وتشكل مرجعًا أساسيًا للباحثين في التراث العربي والإسلامي.
كما تُجسّد المكتبة جزءًا من الذاكرة الفكرية العربية المشتركة، إذ ساهم صاحبها، ابن التلاميد، في إحياء علوم العربية بمصر خلال القرن التاسع عشر، وكان من المقربين إلى رواد النهضة الفكرية أمثال الإمام محمد عبده ورشيد رضا.
🟢 خطوة نحو استعادة التراث الموريتاني المهاجر
وتُعتبر هذه المبادرة محطة بارزة في جهود موريتانيا لاستعادة تراثها العلمي المهاجر، إذ تعمل وزارة الثقافة على إطلاق برنامج وطني لحصر ورقمنة المخطوطات الموريتانية الموجودة في الخارج، ضمن رؤية شاملة تهدف إلى حفظ الذاكرة الوطنية وتثمين الإرث العلمي الذي شكّل هوية البلاد عبر العصور.
ويؤكد مراقبون أن استعادة مكتبة ابن التلاميد تمثل أكثر من إنجاز ثقافي، فهي رسالة رمزية تؤكد أن التراث لا يُقاس بعمر المخطوطات، بل بقدرتها على وصل الماضي بالحاضر وصناعة المستقبل.