
في واحدة من أكبر الاستثمارات الزراعية الصناعية في تاريخ موريتانيا الحديث، وُقّع اليوم في نواكشوط عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص لإنشاء مركب لإنتاج السكر بمنطقة فم لگليته، بكلفة تصل إلى 446 مليون دولار أمريكي، ضمن توجه وطني لتعزيز السيادة الغذائية وتقليص الاعتماد على الأسواق الخارجية.
ويمثل المشروع، الذي يمتد على مدى ثلاثين سنة، نقلة نوعية في تثمين الموارد الزراعية والمائية الوطنية، ويعكس في الآن ذاته تطور العلاقات الاقتصادية بين موريتانيا والسودان، مع انفتاح فني على خبرات البرازيل، إحدى أبرز الدول الرائدة في إنتاج السكر عالميًا.
وقد أشرف على مراسم التوقيع كل من وزير الاقتصاد والمالية، سيد أحمد ولد أبُوه، ووزير الزراعة والسيادة الغذائية، أمم بيباته، إلى جانب المدير العام للشركة الموريتانية للسكر ومشتقاته، محمد تقي الله ولد الشيخ بوي.
ومن جانب المستثمرين، وقع العقد أشرف إبراهيم أحمد بخيت، المدير العام لـ”الشركة الوطنية للسكر SNS”، وهو تحالف مقاولات تقوده مجموعة البدري السودانية، ما يعكس طابع الشراكة الإقليمية للمشروع.
وفي كلمة له بالمناسبة، أوضح وزير الاقتصاد أن المشروع يشكل رافعة حقيقية لقطاعي الزراعة والتصنيع، وسيُسهم في تقليص فاتورة واردات السكر وتوفير العملة الصعبة، مؤكدًا أن موريتانيا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى بناء اقتصاد زراعي مستدام ومندمج.
بدوره، عبّر المدير العام للشركة الموريتانية للسكر عن شكره للدعم المؤسسي الذي حظي به المشروع، مشيرًا إلى أن المرحلة الأولى من الإنتاج ستُغطي ما نسبته 63% من الحاجيات الوطنية من السكر، وهو ما يُعد تقدمًا كبيرًا نحو الاكتفاء الذاتي.
وبحسب وزارة الاقتصاد، يُرتقب أن يبدأ الإنتاج خلال ثلاث سنوات، انطلاقًا من مساحة زراعية تناهز 17 ألف هكتار، مع الاستفادة من سعة مائية تبلغ 500 مليون متر مكعب قابلة للتوسعة لاحقًا إلى 1,100 مليون متر مكعب، في واحدة من أضخم عمليات الاستثمار الزراعي المندمج في البلاد.
ويُتوقع أن يسهم المشروع في خلق مئات فرص العمل، مع إعطاء أولوية تشغيلية للسكان المحليين، في إطار رؤية تنموية تسعى إلى تحقيق التنمية المجالية وتقليص الفوارق الاقتصادية في المناطق الداخلية.
ويأتي هذا المشروع في سياق سياسة حكومية جديدة، تُركز على جعل الزراعة والصناعات المرتبطة بها أحد محركات النمو الاقتصادي الوطني، خاصة في ظل التحديات العالمية المتزايدة المرتبطة بالأمن الغذائي.