
لم يعد الحديث عن فقدان الذاكرة مقصورًا على كبار السن أو المصابين بأمراض مزمنة، بل أصبح يشمل فئة حساسة من المجتمع، هي المراهقون، الذين يعيشون مرحلة انتقالية معقدة بين الطفولة والرشد. وفي ظل التطور السريع للحياة الحديثة والضغوط النفسية والاجتماعية المتزايدة، بات النسيان وصعوبة التركيز من أبرز المشكلات التي يشكو منها كثير من المراهقين وأسرهم.
ويؤكد خبراء الصحة أن فقدان الذاكرة عند هذه الفئة قد يكون طبيعيًا مرتبطًا بتغيرات هرمونية ودماغية طبيعية، لكنه قد يشير أحيانًا إلى أمراض أو اضطرابات أعمق تتطلب تشخيصًا وعلاجًا.
النوم وجودة الذاكرة
النوم عامل أساسي في دعم الذاكرة، إذ يقوم الدماغ خلال ساعات النوم بترتيب المعلومات وتخزينها. وعندما يقل عدد ساعات النوم عن الحد المطلوب، يختل هذا النظام الحيوي، مما يؤدي إلى صعوبة في التذكر، شرود ذهني، وتراجع في الأداء الدراسي. الدراسات الحديثة أثبتت أن المراهقين الذين ينامون أقل من سبع ساعات يوميًا أكثر عرضة لمشاكل الذاكرة مقارنة بغيرهم.
تأثير الأجهزة الحديثة
الإفراط في استخدام الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية أصبح ظاهرة عالمية. هذا الاستخدام المفرط يعرّض الدماغ لكم هائل من المعلومات السريعة، فيفقد قدرته على التركيز طويل المدى. ولهذا يشكو الكثير من المراهقين اليوم من نسيان مواعيدهم أو واجباتهم المدرسية، حيث يستنزف التركيز على الشاشات طاقة الذاكرة على حساب التذكر الفعّال.
الأمراض والعوامل الخفية
في بعض الحالات، قد يكون فقدان الذاكرة عرضًا لاضطرابات صحية مثل:
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، الذي يضعف القدرة على التركيز.
الاكتئاب والقلق المزمن، حيث يؤثران على مناطق الدماغ المسؤولة عن التذكر.
مشاكل الغدة الدرقية أو نقص الفيتامينات، وخاصة فيتامين ب12، الذي يلعب دورًا محوريًا في وظائف الدماغ.
الأدوية مثل المهدئات ومضادات القلق، والتي قد تسبب ضعفًا في الذاكرة كأثر جانبي.
ضغوط الحياة والمراهقة
المراهق اليوم يعيش تحت ضغط كبير من الأسرة والمدرسة والمجتمع، مع توقعات عالية وأعباء تعليمية واجتماعية. هذه الضغوط تنعكس مباشرة على الصحة النفسية، حيث يفرز الدماغ هرمونات التوتر بشكل مستمر، ما يضعف منطقة “الحُصين” المسؤولة عن تكوين الذاكرة. ومع استمرار هذا التوتر، يصبح المراهق أكثر عرضة للنسيان وتشتت الانتباه.
استراتيجيات دعم الذاكرة
من أجل مواجهة هذه التحديات، ينصح الخبراء بمجموعة من الخطوات العملية:
تشجيع الأنشطة الذهنية مثل القراءة وحل الألغاز والألعاب التعليمية.
ممارسة الرياضة واليوغا والتأمل لتعزيز التركيز وتقليل التوتر.
الالتزام بنظام غذائي متوازن غني بالفيتامينات والمعادن الضرورية لصحة الدماغ.
الرقابة الإيجابية من الأسرة لتقليل الضغوط ودعم الثقة بالنفس.
المتابعة الطبية عند ظهور أعراض مقلقة، مثل تكرار النسيان بشكل حاد أو صعوبة التذكر للأحداث القريبة.